العبادة في الهرج كهجرة إليَّ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ :
مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله :

الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن والاه،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..
أما بعد:

... فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"العبادة في الهرج كهجرة إلي"(1)

قال مسلم فى صحيحه:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قال: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح وَقال:
العبادة
حَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ
رَدَّهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ
رَدَّهُ إِلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ
( رَدَّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ )(1)

أي:إقبالك على عبادة الله في وقت الفتن والقتل والقتال،
لك فيه أجر عظيم
كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وليس معناه أن لك مثل أجر مصعب بن عمير، أو عبد الله بن مسعود،
لأن المشبه لا يلزم أن يكون مثل المشبه به، لكن لك فضل عظيم
إذا أقبلت على العبادة في وقت الفتن.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول
كما في "سنن أبي داود"
من حديث المقداد بن الأسود:

(إن السعيد لمن جنب الفتن،
إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواها).(2)

فالذي يبتلى ويصبر فله أجر عظيم.

والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من الفتن قال مسلم فى صحيحه:

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ قال: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيدَ
وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :

( قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي
الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ
عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ ) .(3)

فنحن في زمن الفتن وكلما
انقضت فتنة جاءت
فتنةهي أعظم منها

قال تعالى:

(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً
أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)(4) ،

ويقول تعالى:

{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أَكْبَرُمِنْ أُخْتِهَا
وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(5).

قال مسلم فى صحيحه:

حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ جَمِيعًا
عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
ابْنُ أَيُّوبَ قال:
حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ
يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا
أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا
يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا ) (6)

وأيضا
قال مسلم فى صحيحه:
.حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيدَ وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ
عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

( قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَيَأْتِيَنَّ
عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ
فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ
وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ ) (7).

وهناك علاج لهذه الفتن:

قال تعالى:

{ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ
خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ**(

أي: اجعلوا بينكم وبينها وقاية،

إما بالتمسك بهذا الدين:

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)(9).

أوبالعزلة
قال البخارى فى صحيحه:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:

( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ
أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ
وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ) (10)

ونحن في زمن الفتن لا ينجينا منها
إلا ربنا عز وجل ،
والتمسك بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر عصمة من الفتن

قال أبى داود فى سننه:حدثنا

أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قال:

حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ :

حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ قَالَ

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ قَالَا :

أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ

(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ

لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ

تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ

حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) (11)

فَسَلَّمْنَا وَقُلْنَا أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ
فَقَالَ:الْعِرْبَاضُ
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا
مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ
فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ
فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ:

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ

وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي

فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ

بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا

بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ

وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ

فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ (12).

---------------

من كتاب :

" تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب"

ص :279-281